الأحد، 4 مارس 2012

مقدمة


إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:
فإن صفحات الحياة تتقلب بين خير وشدّة وسرور وحزن، وتموج بأهلها من حال إلى حال: بسط وقبض، سراء وضراء،قال تعالى: { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}(آل عمران: 140). وفي الحياة مصائب ومحن وابتلاءات،قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ }(سورة البقرة:155) ، والدنيا مطبوعة على المشاق والأهوال طافحة على الكدر والأكدار:
        طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تريدها   
      صفواً من الأقذاءِ والأكــدارِ
       والناظر في حال كثير منا اليوم يرى أن الشيطان قد غلب وغلَّب على نفوسنا جانب اليأس والقنوط أمام هذه التقلبات حتى أصبح حالُنا غايةً في التذمر ، نظرنا إلى المجتمع نظرةً سوداء قاتمةً ، ورأينا كل شيء أسودَ وحجبنا عن أعيننا كثيرَ الخير ناهيك عن قليله فأصبحنا لا نرى إلا الوجه المظلم لأننا لم نتفاءل .
     حينها نكون مأمورين بالتفاؤل أمام هذه التقلبات ، ومنهيين عن الطيرة والتشاؤم ، ننظر إلى الحياة بوجه غير الذي ينظر به  المتشائم ، فإذا مرضنا لم ينقطع أملنا بالله وتفاءلنا بقرب الشفاء قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (سورة الشعراء:78-80)، وإذا حاربنا نتفاءل ونثق بنصر الله لنا،{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ(172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون} (سورة الصافات:172-173).
     وإذا اقترفنا ذنباً أو جرماً فإننا لا نيأس من المغفرة ، ومهما كان الذنب عظيماً فإن تفاؤلنا بعفو الله أعظم ،  قال تعالى:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(سورة الزمر:53).
     والمؤمن إذا أعسر وضاقت ذات يده تفاءل و أمل بالله ولم يزل إيمانه فيه عظيماً ، قال تعالى: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } (سورة الشرح: 5-6).
     وقد حث النبي صلى الله عليه و سلم على التفاؤل ورغب به فقال صلى الله عليه و سلم: (( لا طيرة، وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم ))(رواه البخاري)، (( وكان صلى الله عليه وسلم، يعجبه الفأل ويكره الطيرة ))(رواه ابن ماجة) ، (( وكان صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته، يعجبه أن يسمع يا نجيح أو يا راشد))(رواه الترمذي و قال حسن) ، (( كان لا يتطير من شيء ، و كان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه ، فإذا أعجبه اسمه ، فرح به ، و رؤي بشر ذلك في وجهه ، و إن كره اسمه ، رؤي كراهية ذلك في وجهه ، و إذا دخل قرية سأل عن اسمها ، فإن أعجبه اسمها ، فرح بها ، و رؤي بشر ذلك في وجهه ، و إن كره اسمها ، رؤي كراهية ذلك في وجهه ))(السلسلة الصحيحة رقم 762)
     وكان الرسول صلى الله عليه و سلم طول حياته متفائلاً بظهور دعوته وانتشارها في بقاع الأرض ، عندما كان مضطهداً في مكة ، وقومه مضطهدون ، فيمر على آل ياسر وهم يُضْرَبون فيطمئنهم ويُصَبِّرُهم ويبشرهم بالجنة.
     وكان يأتيه الرجل من أصحابه يشكو إليه ما حل به من أذى قريش فيطمئنه ويبشره بظهور هذا الدين،  وكان صلى الله عليه و سلم متفائلاً بوصول جنود الإسلام إلى أرض فارس ، وتحطيم عرش كســـرى واستيلائهــم عليـه، ولقد تم ما تفاءل به النبـي صلى الله عليه و سلم .
     وكذلك نجد حياة الصحابة رضوان الله عليهم كلها حياة متفائلة ، لما لمسوه وشاهدوه من القرائن والأحوال التي تدل دلالة واضحة على صدق رسالة الرسول صلى الله عليه و سلم .
 تفاؤل الصحابة:
 
Accolades: تفاؤل  الصحابة     أنس بن النضر رضي الله عنه تفاءل بالجنة في غزوة أحد ، بل شم ريحها فقاتل بروح متفائلة حتى استشهد ، وعمير بن الحمام رضي الله عنه عندما ألقى التمرات من يده ، حين سمع أن الجنة تحت ظلال السيوف، فدخل تحت هذه الظلال بروح متفائلة حتى استشهد ، وخالد بن الوليد رضي الله عنه لم يدخل معركة من المعارك إلا كان متفائلاً بالنصر ، وكان يحرز بهذا التفاؤل النصر تلو النصر .

Accolades: تفاؤل  العلماء والدعاة   تفاؤل العلماء و الدعاة:

  وجاء دور العلماء والدعاة إلى الله فساروا بالدعوة متفائلين بالنصر والفوز والنجاح ، لم يتأثروا بما يوضع لهم من عراقيل بل يزيدهم طموحاً وتفاؤلاً ؛ لأنهم واثقون بنصر الله لهم ، فلم يجعلوا لليأس منفذاً واحداً ينفذ إليهم، لأنهم متحصنون قال تعالى: { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (سورة يوسف: 87).
     وقد حدد الشيخ حسن البنا رحمه الله النفس المتفائلة التي تريدها صفوف الدعوة فقال : ( نحن نريد نفوساً حية، قوية ، فتية ، وقلوباً جديدة خفاقة ، ومشاعر غيورة ، ملتهبة مضطرمة ، وأرواحاً طموحة ، متطلعة متوثبة ، تتخيل مُثُلاً عُليا ، وأهدافاً سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل إليها)
لقد رغّب الإسلام في التفاؤل؛ لأنه يشحذ الهمم للعمل، وبه يحصل الأمل الذي هو أكبر أسباب النجاح ؛ فالطالب الذي يذهب و عنده حسن ظن بربه تجد همته قوية، وينعكس ذلك على تقويمه ونجاحه، وعكس ذلك من دخل متشائما فسيفشل بلا شك ولو كان يعرف الإجابة معرفة جيدة.
وأعلى التفاؤل توقّع الشفاء عند المرض والنجاح عند الفشل والنصر عند الهزيمة وتوقُّعُ تفريج الكروب ودفع المصائب والنوازل عند وقوعها، فالتفاؤل في هذه المواقف يولّد أفكارَ ومشاعر الرضا والتحمّل والأمل والثقة، ويبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق