الأحد، 4 مارس 2012

إشكال :


    وقد جاءت أحاديث ظَنَّ بعض الناس أنها تدل على جواز الطيرة كقوله صلى الله عليه و سلم : ((إنما الشؤم في ثلاث : في الفرس ، والمرأة ، والدار )) (رواه البخاري برقم (5772) ونحو هذا .
     قال ابن القيم رحمه الله : ( الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها فيكون شؤمها عليه ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤومة عليه. قالوا ويدل عليه حديث أنس" الطيرة على من تطير" وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به .
وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به ، فكان صاحبها غرضا لسهام الشر والبلاء فيتسرع نفوذها فيه لأنه لم يتدرع من التوحيد والتوكل بجُنَّة واقية وكل من خاف شيئا غير الله سلط عليه كما أن من أحب مع الله غيره عُذِّب به ومن رجا مع الله غيره خُذِل من جهته وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلتها ، والنفس قد تضعف و تتطير ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله فإن من توكل على الله وحده كفــاه من غيـــره، قال تعالى: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون(99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)}(سورة النحل:98-100)

      ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( وما منا إلا يعني من يقارب التطير ولكن الله يذهبه بالتوكل ) ... قالوا فالشؤم الذي في الدار والمرأة والفرس قد يكون مخصوصا بمن تشاءم بها وتطير وأما من توكل على الله وخافه وحده ولم يتطير ولم يتشاءم فإن الفرس والمرأة والدار لا تكون شؤما في حقه ) .
     ثم قال : ( فمن اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل أنه مؤثر بذاته دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله وضل ضلالا بعيدا.. وبالجملة فإخباره بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها ، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وسكنها وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه ويعطى غيرهما ولدا مشؤوما نذلا يريان الشر على وجهه ، وكذلك ما يعطاه العبد ولاية أو غيرها فكذلك الدار والمرأة والفرس ، والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة ويقضى سعادة من قارنها وحصول اليمن له والبركة ويخلق بعض ذلك نحوسا يتنحس بها من قارنها وكل ذلك بقضائه وقدره ،  كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة ولذذ بها من قارنها من الناس وخلق ضدها وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من الناس والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس فكذلك في الديار والنساء والخيل فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر ).
     ( فالمعنى أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يكون مرافقة للإنسان . المرأة زوجُه ، والدار بيته ، والفرس مركوبه ، وهذه الأشياء الثلاثة أحياناً يكون فيها شؤم ، فأحياناً يتزوج الرجل امرأة ولا يجد إلا النكد والتعب منها ومن مشاكلها. وأيضاً ينزل الدار فيكون فيها شؤم فيضيق صدره ولا يتسع ويمل منها، و أيضاً الفرس ، والفرس الآن ليس مركوبنا ولكن مركوبنا السيارات ، فبعضها يكون فيها شؤم تكثر حوادثها، و تتعطل كثيراً ، ويسأم الإنسان منها ، فإذا أصيب الإنسان بمثل هذا فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك ، فيزيل الله ما في نفسه من الشؤم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق