الأحد، 4 مارس 2012

تفاؤل الرسول صلى الله عليه وسلم :


    لقد كان التفاؤل من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيه الكريم ورسوله العظيم ، إذ كان صلى الله عليه و سلم متفائلاً في كل أموره وأحواله، في حلِّه وترحاله، في حربه وسلمه، في جوعه وعطشه ، ومن ذلك :
§   ما بلي به النبي صلى الله عليه و سلم من أصناف الأذى الحسي والمعنوي ، ومع ما داخله من الحزن {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}(سورة الحجر:97)، {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}(سورة هود:12)، و مع ذلك كله كان صلى الله عليه و سلم أقوى الناس عزيمةً ، وأكثرهم تفاؤلاً؛ فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ) كان النبي صلى الله عليه و سلم يعجبه الفأل الحسن ((أخرجه ابن ماجه (3536) ، وانظر  صحيح البخاري  (5754) و صحيح مسلم (2220 ) ، وكان صلى الله عليه و سلم يحذر من القنوط واليأس امتثالاً لتحذير الله تعالى { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ}(سورة الحجر:56)، {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ}(سورة يوسف: 87).
§   بل لقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يزرع التفاؤل في نفوس أصحابه ومن تلك المواقف ما زرعه صلى الله عليه و سلم  في نفس ابي بكر الصديق رضي الله عنه وهما في طريق الهجرة وهما في الغار، وما حصل لهما ، والكفار على باب الغار يطاردونه وقد أعمى الله أبصارهم فعن أنس عن أبي بكر رضي الله عنهما قال :   (( كنت مع النبي  صلى الله عليه و سلمفي الغار، فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما )) (متفق عليه)
§   وفي حادثة الهجرة أخذ النبي صلى الله عليه و سلم بالأسباب الظاهرة واختبأ هو وصاحبه في الغار ثم انصرف، وجاء رجل يتحدث وسراقة مع طائفة من قومه فقال رأيت هاهنا سواداً وأظنه محمداً وصاحبه، ففطن سراقة حين ذلك وعلم أنه هو النبي صلى الله عليه و سلم فقال إنه فلان وفلان يريد أن يصرف الناس عن ذلك، وأمر أهله أن يجهزوا له فرسه من خلف الدار وانصرف وركب فرسه ثم لحق النبي صلى الله عليه و سلم حتى اقترب منهما فقال أبو بكر رضي الله عنه هذا سراقة قد أدركنا . و الذي يقرأ الحدث الآن ويعيشه يضطرب فالمتبادر للذهن أنه خطر محقق، ولهذا أصاب أبا بكر رضي الله عنه القلق والخوف على النبي صلى الله عليه و سلم وحق له ذلك، أما النبي صلى الله عليه و سلم فكان يقول : ما ظنك باثين الله ثالثهما، فخارت قوائم فرس سراقة بعد أن دعا عليه النبي صلى الله عليه و سلم ثم لم ييأس وحاول مرة ثانية وثالثة حتى عرف سراقة أن الرسول صلى الله عليه و سلم محفوظ بحفظ الله، فلما انصرف سراقة كان كل من لقيه يقول قد كفيتم ما هاهنا، فلننظر كيف تحولت الصورة وانقلبت، ولهذا قال الراوي: كان أول النهار طالباً لهما وفي آخر النهار صاداً عنهما.
§   والتفاؤل كان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ففِي حَدِيث أَنَس عِنْد التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم كَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ يُعْجِبهُ أَنْ يَسْمَع: يَا نَجِيح يَا رَاشِد. وَكَانَ عليه الصلاة والسلام إِذَا بَعَثَ عَامِلاً يَسْأَل عَنْ اِسْمه، فَإِذَا أَعْجَبَهُ فَرِحَ بِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اِسْمه رُئِيَ كَرَاهَة ذَلِكَ فِي وَجْهه.
     وَكان النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم يستبشر بالخير عند سماع الأسماء كما في يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عندما طَلَعَ سُهَيْلُ بْنُ عُمَرو، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ))، فَكَانَ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام، مع أن قريش  أرسلت  قبله سيد الأحابيش للتفاوض مع النبي صلى الله عليه و سلم فلما أشرف على النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا فلان ، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له ، فبعثت له ، واستقبله الناس يلبون ، فلما رأى ذلك ، قال : سبحان الله ، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ، فلما رجع إلى أصحابه قال : رأيت البدن قد قلدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقالوا له : اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك .
     ثم بعثت قريش رجلاً منهم  يقال له مكرز بن حفص ، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه و سلم ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : هذا مكرز وهو رجل فاجر(أخرجه البخاري ، ( 4178).
§   ومن نماذج تفاؤله صلى الله عليه و سلم ما قالته أمنا عائشة – رضي الله عنها – للنبي صلى الله عليه و سلم : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: ((لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه و سلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً))( البخاري (3/1180)رقم (3059) وغيره)
§   ومنها تفاؤله صلى الله عليه و سلم بالنصر في غزوة بدر، وإخباره صلى الله عليه و سلم بمصرع رؤوس الكفر وصناديد قريش، مع أن المعادلة العسكرية غير متكافئة  فقريش كان عددها ألفاً ، وعدد المسلمين ثلاث مئة وبضعة عشر رجلاً ، وما كان معهم إلا فرسان، وكل ثلاثة على بعير، وكان الرسول صلى الله عليه و سلم والصحابة يقطعون المسافات مشياً ، رغم الفقر والحفاء والعوز ، ومع هذا كله يقول النبي صلى الله عليه و سلم : ((سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين.. والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم غــداً )) (السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة ، (1/73).
§   ومنها تفاؤله صلى الله عليه و سلم عند حفر الخندق حول المدينة، وذكره لمدائن كسرى وقيصر والحبشة، والتبشير بفتحها وسيادة المسلمين عليها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : احتفر رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع ثم مشوا إلى الخندق فقال : (( اذهبوا بنا إلى سلمان )) وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه : (( دعوني فأكون أول من ضربها )) فقال : (( بسم الله )) فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال : (( الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة )) ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة ، فقال : (( الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة )) فــقــــال المنافقــــون  :   ( نحن بخندق وهو يعدنا قصور فارس والروم )( مجمع الزوائد (7/131-132) للهيثمي ، وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن أحمد بن حنبل ، ونعيم العنبري وهما ثقتان)
وروى الإمام أحمد في مسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (( فأخذ المعول فقال : بسم الله ، فضرب ضَربةً فكسر ثُلث الحجر ، وقال الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قُصورها الحمر من مكاني هذا ، ثم قال : بسم الله وضرب أخرى فكسر ثُلث الحجر فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض ، من مكاني هذا ، ثم قال : بسم الله وضَرب أُخرى فقلع بقية الحجر فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا ))( فتح الباري لابن حجر ( 8/398-399) وحسن إسنادها ، الفتح الرباني (21/78).
     يقول النبي صلى الله عليه و سلم ذلك في قلب المحنة وشدة الهول ، ولنتأمل قول أم سلمة  رضي الله عنها وهي تصور الحال قالت : شهدت معه مشاهد فيها قتال وخوف – المريسيع وخيبر ، وكنا بالحديبية وفي الفتح وحنين – لم يكن من ذلك أتعب لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولا أخوف عندنا من الخندق ، وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة، وأن قريظة لا نأمنها على الذراري فالمدينة تحرس حتى الصباح ، نسمع تكبير المسلمين فيها حتى يصبحوا خوفاً ، ولنتأمل قوله تعالى وهو يصور حالة الموقف :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)  إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا(10)  هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا}(سورة الاحزاب:9-11).
     كانت نتيجة التفاؤل التي زرعها النبي صلى الله عليه و سلم في نفوس المؤمنين { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا(22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا}(سورة الاحزاب:22-23)
أي أنهم في قمة التحدي واليقين بنصر الله ، أما المنافقون الذين أصابهم الخوف ، واقتلع قلوبهم الرعب ، فقال الله تعالى عنهم :{ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا}(سورة الاحزاب:12)
، وقالوا : (إن محمداً يعدنا بكنوز كسرى وقيصر ، ولا يأمن أحدنا أن يخرج إلى حاجته ، أو لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط).
     كانت النتيجة بعد هذا الجمع الكبير الذي بلغ عدده عشرة آلاف من المشركين قوله صلى الله عليه و سلم : ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نحن نسير إليهم ))( أخرجه البخاري ،  فتح الباري لابن حجر (7/405) ، وردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً .
§   ومنها تفاؤله صلى الله عليه و سلم بشفاء المريض وزوال وجعه بمسحه عليه بيده اليمنى وقوله: ((لا بأس طهور إن شاء الله))( رواه البخاري ، رقم (5662).
§   ويبشّر الرسول صلى الله عليه و سلم عديّ بن حاتم بمستقبل عظيم متفائلاً لهذا الدين فيقول: ((لعلّك ـ يا عديّ ـ إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلّك إنما يمنعك من الدخول فيه ما ترى من كثرة عدوّهم وقلّة عددهم، فوالله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم، وايمُ الله ليوشكنّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم))( البداية والنهاية ، (5/57)، قال عديّ: فأسلمت.
§   ومن تفاؤله عليه الصلاة والسلام أنه كان يتفاءل باللغة وألفاظها الجميلة؛ جاء إلى المدينة وهم يسمونها يثرب وهو اسم لا يخلو من إيحاءات سلبية؛ فسماها النبي صلى الله عليه و سلم " طابة" أو "طيبة" من الطيب والخير.
     وكذلك  غيَّر صلى الله عليه و سلم بعض أسماء الرجال أو النساء لقبح أسمائهم، وأبدلهم  بأسماء جديدة، فقد غير اسم إحدى الصحابيات من "عاصية" إلى "جميلة"( صحيح مسلم )، وغير اسم الصحابي "حَزْن" إلى "سهل"( صحيح البخاري، (6190).
§   وكذلك قيام النبي صلى الله عليه و سلم بأفعال تدل على تفاؤله ففي  خبر مَقْدَمِه –  عليه الصلاة والسلام – للمدينة مهاجراً أنه ((نَزَلَ فِي عُلْوِّ الْمَدِينَةِ، فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ)) كما في البخاري عن أَنَس بْن مَالِكٍ –  رضي الله عنه – . وهذا تفاؤل له ولدينه بالعلو.
§   وعن أنَسٍ – رضي الله عنه –  : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أَتَى خَيْبَرَ لَيْلاً وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ؛ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا:"مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ" – يعني الجيش – فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم : ((خَرِبَتْ خَيْبَرُ؛ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ))( رواه البخاري). ولننظر لدقة الفهم ، وعمق الإستنباط في قــول السهيلــي – رحمـه الله –  : يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل؛ لأنه صلى الله عليه و سلم لما رأى آلات الهدم ، مع أن لفظ المِسحاة من سَحَوْت إذا قَشَرْت أَخذ منه أن مدينتهم ستَخرب.
§   وجاء بعض الصحابة الكرام إلى النبي صلى الله عليه و سلم في صدر الإسلام ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، يستنصرونه ، ويشكون إليه الحال ، وقد كانوا في فترة يُضربون فيها ، ويُجوَّعون ، ويُعطشون ، حتى ما يقدر أحدهم أن يستوي جالساً من شدة الضر ، فأنكر النبي صلى الله عليه و سلم عليهم استعجالهم الفرج ، ووجَّههم بقوله : (( كان الرجل فيمن قبلكم ، يُحفَر له في الأرض ، فيُجعَل فيه ، فيُجاء بالمنشار ، فيوضعَ على رأسه ، فيُشَق باثنتين ، وما يصده ذلك عن دينه . ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يصده ذلك عن دينه . والله ليُتِمَّن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ))( صحيح البخاري (6943).
§   وفي أوقات الأزمات والشدائد تعظم الحاجة لاستحضار الفأل الحسن، فقد كان صلى الله عليه و سلم إذا استسقى بالناس قلب رداءه بعد الخطبة ((ثم حوَّل إلى الناس ظهره)) .
ومن تفاؤله صلى الله عليه و سلم نهيه عن الأسباب التي تؤدي للتشاؤم والاكتئاب كلطم الخدود ، وشق الجيوب والتلفظ بتمني الموت أو الانتحار أو الاعتراض على القدر ولذلك قال صلى الله عليه و سلم: (( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ))( رواه البخاري (2/82) ، وقال صلى الله عليه و سلم : (( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنياً فليقل : اللهم أحييني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ))( رواه البخاري (10/155) ، وقد قال خباب رضي الله عنه في حديث البخاري : (لولا أن الرسول صلى الله عليه و سلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به)، وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(سورة النساء:29)            
   وفي الصحيحين ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مُخَلَّداً فيها أبداً ، ومن شرب سُمَّاً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالِّداً مُخَلَّداً فيها أبداً ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه يتردى في نار جهنــم خالـــداً مُخَلَّـــدَاً فيهــا أبـــداً )).
     كل ذلك وغيره وغيره  كثير، مما يدل على تحلِّيه صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة الكريمة، وإنما أوردت نماذج فقط لئلا أطيل في حديثي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق