الأحد، 4 مارس 2012

حتى نكون متفائلين لابد أن نكون متوكلين على الله تعالى.


     فالتوكل على الله تعالى من أعظم واجبات المؤمن ، وأفضل الأعمال والعبادات المقربة للرحمن ؛ فإن الأمور لا تحصل إلا بالتوكل على الله سبحانه وتعالى والاستعانة به.
قال ابن القيم رحمه الله : ( ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبلٍ من مكانه وكان مأموراً بإزالته ؛ لأزاله).
     وهذا التوكل لايقوم به على وجه الكمال إلا خواص المؤمنين كما في صفة السبعين ألفاً ، فالذي يحقق التوكل ليس كل الناس ، بل هم طائفة قليلة من الناس ذكرهم النبي صلى الله عليه و سلم بقوله : ((هذه أمتك يدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب )) ، ثم دخل ولم يبين لهم من هم وما هي صفاتهم ؛ فأفاض القوم وقالوا : نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله ؛ فنحن هم ، أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام ؛ فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم هذا القول منهم فخرج وقال : (( هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون )) فقال عكاشة بن محصن : أَمِنْهُم أنا يا رسول الله ؟ قال : ((نعم )) ، فقال آخر : أمنهم أنا ؟ فقال صلى الله عليه و سلم :  ((سبقك بها عُكاشة))( رواه البخاري (5752) ، ومسلم (220).
     ومن المتوكلين عمران بن حصين وهو من سادات المتوكلين وكان به بواسير ، وكان يصبر على ألمها ؛ فكانت الملائكة تسلم عليه ، فاكتوى ؛ فانقطع تسليم الملائكة عليه، ثم ترك الكي وصبر على الألم؛ فعاد سلام الملائكة عليه.
     ومن الآيات التي تدل على فضل التوكل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}(سورة الزمر:38).
     والتوكل من أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار، قال صلى الله عليه و سلم : (( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله ؛ لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ))( رواه الترمذي (2344) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5254).
     فأفئدة الطير مليئة بالتوكل على الله ، ولو أننا توكلنا على الله كما يتوكل الطيرُ ؛ لرزقنا مثل ما يرزق الطير . والأسباب ولو كانت يسيرة وضعيفة ، يبذلها العبد ، والله سبحانه وتعالى يبارك فيها ويجعل فيها أثراً ، والله علمنا ذلك من قصة مريم .
توكل على الرحمن في كل حاجة   
                                    ولا تؤثرنّ العجز يوماً على الطلبْ
ألم تر أن الله قـــــــــــال لمريـــــــــــــــم        
                                     إليكِ فهزي الجذع يساقط الرُّطَبْ
ولو شاء أن تجنيه من غير هزِّهــــا          
                                    جنَتْهُ ولكــــــــن كــــــــل شيء له سبب
     فلنتخيل حال امرأة ضعيفة هي في أقوى حالاتها أضعف من الرجل ، وهي في حال النفاس أضعف ما تكون المرأة ، والنخلة شجرة  جذعها قوي ولكن الله قال :{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}(سورة مريم:25)، ولكن بالسبب الضعيف جعل النتيجة .
     وهناك قصة لطيفة لامرأة ، رواها الإمام أحمد رحمه الله في مسنده يقول في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم : (إن امرأة خرجت في سرية من المسلمين وتركت ثنتي عشرة عنزاً لها وصيصيتها كانت تنسجُ بها، ففقدت عنزاً من غنمها وصيصيتها؛ فقالت يارب إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه وإني قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصيتي وإني أنشدك عنزي وصيصتي ) فجعل رسول الله يذكر شدة مناشدتها لربها – تبارك وتعالى – وشدة توكلها على الله ، وخرجت في سبيل الله ومعتمدة أن الله يحفظ مالها ولما عادت لم تقل: إن الله أخلف وعده ، ولكن نشدت ربها ما وعد به وأخذت تلح وتلح . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((فأصبحت عنزها ومثلها وصيصيتها ومثلها))( رواه أحمد في مسنده (20141) ، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (6/1047). رجع مضاعفاً ؛ لما نامت على الدعاء والتوكل .
     ولنتذكر دائماً قول الله تعالى :{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}(سورة هود:6).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق